فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



العامل في {يَوْمَ نَطْوِى السماء} {لا يحزنهم} أو {تتلقاهم} {تطوى السماء} يزيد، وطيها تكوير نجومها ومحو رسومها أو هو ضد النشر نجمعها ونطويها {كَطَىّ السجل} أي لصحيفة {لِلْكُتُبِ} حمزة وعلي وحفص أي للمكتوبات أي لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة وغيرهم للكتاب أي كما يطوى الطومار للكتابة، أو لما يكتب فيه لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء ثم يوقع على المكتوب.
وقيل: السجل: ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه.
وقيل: كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والكتاب على هذا اسم الصحيفة المكتوب فيها والطي مضاف إلى الفاعل وعلى الأول إلى المفعول {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} انتصب الكاف بفعل مضمر يفسره {نعيده} وما موصولة أي نعيد مثل الذي بدأناه نعيده، و{أول خلق} ظرف لـ: {بدأنا} أي أول ما خلق، أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى.
وأول الخلق إيجاده أي فكما أوجده أو لا يعيده ثانيًا تشبيهًا للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء.
والتنكير في خلق مثله في قولك هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال ولَكِنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلًا رجلًا فكذلك معنى {أول خلق} أول الخلق بمعنى أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع {وَعْدًا} مصدر مؤكد لأن قوله: {تعيده} عدة للإعادة {عَلَيْنَا} أي وعدا كائنًا لا محالة {إِنَّا كُنَّا فاعلين} ذلك أي محققين هذا الوعد فاستعدوا له وقدموا صالح الأعمال للخلاص من هذه الأهوال.
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور} كتاب داود عليه السلام {مِن بَعْدِ الذكر} التوراة {أن الأرض} أي الشام {يَرِثُهَا عِبَادِىَ} ساكنة الياء: حمزة غيره بفتح الياء {الصالحون} أي أمة محمد عليه السلام، أو الزبور بمعنى المزبور أي المكتوب يعني ما أنزل على الأنبياء من الكتب.
والذكر أم الكتاب يعني اللوح لأن الكل أخذوا منه.
دليله قراءة حمزة وخلف بضم الزاي على جمع الزبر بمعنى المزبور والأرض أرض الجنة.
{إِنَّ في هذا} أي القرآن أو في المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ {لبلاغا} لكفاية وأصله ما تبلغ به البغية {لّقَوْمٍ عابدين} موحدين وهم أمة محمد عليه السلام {وما أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً} قال عليه السلام: «إنما أنا رحمة مهداة» {للعالمين} لأنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه ومن لم يتبع فإنما أتى من نفسه حيث ضيع نصيبه منها.
وقيل: هو رحمة للمؤمنين في الدارين وللكافرين في الدنيا بتأخير العقوبة فيها.
وقيل: هو رحمة للمؤمنين والكافرين في الدنيا بتأخير عذاب الاستئصال والمسخ والخسف.
و{رحمة} مفعول له أو حال أي ذا رحمة.
{قُلْ إِنَّمَا} إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد.
وفاعل {يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ} والتقدير يوحي إلى وحدانية إلهي، ويجوز أن يكون المعنى أن الذي يوحي إلى فتكون ما موصولة {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} استفهام بمعنى الأمر أي أسلموا {فَإِن تَوَلَّوْاْ} عن الإسلام {فَقُلْ ءاذَنتُكُمْ} أعلمتكم ما أمرت به {على سَواء} حال أي مستوين في الإعلام به ولم أخصص بعضكم، وفيه دليل بطلان مذهب الباطنية {وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} أي لا أدري متى يكون يوم القيامة لأن الله تعالى لم يطلعني عليه ولَكِني أعلم بأنه كائن لا محالة، أو لا أدري متى يحل بكم العذاب إن لم تؤمنوا {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} إنه عالم بكل شيء يعلم ما تجاهرونني به من الطعن في الإسلام وما تكتمونه في صدوركم من الأحقاد للمسلمين وهو مجازيكم عليه.
{وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ} وما أدري لعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا امتحان لكم لينظر كيف تعملون {ومتاع إلى حِينٍ} وتمتيع لكم إلى الموت ليكون ذلك حجة عليكم {قَالَ رَبّ احكم بالحق} اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل، أو بما يحق عليهم من العذاب ولا تحابهم وشدد عليهم كما قال: «واشدد وطأتك على مضر».
{قال رب} حفص على حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم {رب احكم} يزيد {ربي أحكم} زيد عن يعقوب {وَرَبُّنَا الرحمن} العاطف على خلقه {المستعان} المطلوب منه المعونة {على مَا تَصِفُونَ} وعن ابن ذكوان بالياء، كانوا يصفون الحال على خلاف ما جرت عليه وكانوا يطمعون أن تكون الشوكة لهم والغلبة فكذب الله ظنونهم وخيب آمالهم ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وخذلهم أي الكفار وهو المستعان على ما يصفون. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الضر}.
بأني مسني الضر، وقرئ بالكسر على إضمار القول أو تضمين النداء معناه و{الضر} بالفتح شائع في كل ضرر، وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهزال. {وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} وصف ربه بغاية الرحمة بعدما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفًا في السؤال، وكان روميًّا من ولد عيص بن إسحاق استنبأه الله وكثر أهله وماله فابتلاه الله بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله، والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعًا وسبعة أشهر وسبع ساعات. روي أن امرأته ماخير بنت ميشا بن يوسف، أو رحمة بنت إفراثيم بن يوسف قالت له يوما: لو دعوت الله فقال: كم كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال: أستحيي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي.
{فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} بالشفاء من مرضه. {وَءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ} بأن ولد له ضعف ما كان أو أحيي ولده وولد له منهم نوافل. {رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وذكرى للعابدين} رحمة على أيوب وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب، أو لرحمتنا للعابدين فإنا نذكرهم بالإِحسان ولا ننساهم.
{وإسماعيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل} يعني إلياس، وقيل يوشع، وقيل زكريا سمي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفل أمته أو له ضعف عمل أنبياء زمانه وثوابهم، والكفل يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضعف. {كُلٌّ} كل هؤلاء. {مِّّنَ الصابرين} على مشاق التكاليف وشدائد النوب.
{وأدخلناهم في رَحْمَتِنا} يعني النبوة أو نعمة الآخرة. {إِنَّهُمْ مِّنَ الصالحين} الكاملين في الصلاح وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن صلاحهم معصوم عن كدر الفساد.
{وَذَا النون} وصاحب الحوت يونس بن متى {إِذ ذَّهَبَ مغاضبا} لقومه لما برم بطول دعوتهم وشدة شكيمتهم وتمادي إصرارهم مهاجرًا عنهم، قبل أن يؤمر وقبل وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم بتوبتهم ولم يعرف الحال فظن أنه كذبهم وغضب من ذلك، وهو من بناء المغالبة للمبالغة أو لأنه أغضبهم بالمهاجرة لخوفهم لحوق العذاب عندها وقرئ {مغضبًا}. {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة من القدر، ويعضده أنه قرئ مثقلًا أو لن نعمل فيه قدرتنا؛ وقيل هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لأمرنا، أو خطرة شيطانية سبقت إلى وهمه فسميت ظنًا للمبالغة. وقرئ بالياء وقرأ يعقوب على البناء للمفعول وقرئ به مثقلًا. {فنادى في الظلمات} في الظلمة الشديدة المتكاثفة أو ظلمات بطن الحوت والبحر والليل. {أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ} بأنه لا إله إلا أنت. {سبحانك} من أن يعجزك شيء. {إِنِّى كُنتُ مِنَ الظالمين} لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة. وعن النبي عليه الصلاة والسلام: «ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له».
{فاستجبنا لَهُ ونجيناه مِنَ الغم} بأن قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات كان في بطنه. وقيل ثلاثة أيام والغم غم الالتقام وقيل غم الخطيئة. {وكذلك نُنْجِى المؤمنين} من غموم دعوا الله فيها بالإِخلاص وفي الإمام: {نجي} ولذلك أخفى الجماعة النون الثانية فإنها تخفى مع حروف الغم، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بتشديد الجيم على أن أصله {نُنَجّى} فحذفت النون الثانية كما حذفت التاء الثانية في {تظاهرون}، وهي وإن كانت فاء فحذفها أوقع من حذف حرف المضارعة التي لمعنى ولا يقدح فيه اختلاف حركتي النونين فإن الداعي إلى الحذف اجتماع المثلين مع تعذر الإِدغام وامتناع الحذف تتجافى لخوف اللبس. وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر وسكن آخره تخفيفًا ورد بأنه لا يسند إلى المصدر والمفعول مذكور والماضي لا يسكن آخره.
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْدًا} وحيدًا بلا ولد يرثني. {وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} فإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي به.
{فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} أي أصلحناها للولادة بعد عقرها أو لـ: {زَكَرِيَّا} بتحسين خلقها وكانت حردة. {إِنَّهُمْ} يعني المتوالدين أو المذكورين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. {كَانُواْ يُسَارِعُونَ في الخيرات} يبادرون إلى أبواب الخير. {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} ذوي رغب ورهب، أو راغبين في الثواب راجين للإِجابة، أو في الطاعة وخائفين العقاب أو المعصية. {وَكَانُواْ لَنَا خاشعين} مخبتين أو دائبين الوجل، والمعنى أنهم نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال.
{والتى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} من الحلال والحرام يعني مريم. {فَنَفَخْنَا فِيهَا} أي عيسى عليه الصلاة والسلام فيها أي أحييناه في جوفها، وقيل فعلنا النفخ فيها. {مِن رُّوحِنَا} من الروح الذي هو بأمرنا وحده أو من جهة روحنا يعني جبريل عليه الصلاة والسلام. {وجعلناها وابنها} أي قصتهما أو حالهما ولذلك وحد قوله: {ءَايَةً للعالمين} فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى.
{إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ} أي إن ملة التوحيد والإِسلام ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها فكونوا عليها. {أُمَّةً وَاحِدَةً} غير مختلفة فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا مشاركة لغيرها في صحة الاتباع. وقرئ {أُمَتُكُمْ} بالنصب على البدل و{أُمَّةٌ} بالرفع على الخبر وقرئتا بالرفع عن أنهما خبران. {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} لا إله لكم غيري. {فاعبدون} لا غير.
{وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} صرفه إلى الغيبة التفاتًا لينعى على الذين تفرقوا في الدين وجعلوا أمره قطعًا موزعة بقبيح فعلهم إلى غيرهم. {كُلٌّ} من الفرق المتحزبة. {إِلَيْنَا راجعون} فنجازيهم.
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ} بالله ورسله. {فَلاَ كُفْرَانَ} فلا تضييع. {لِسَعْيِهِ} استعير لمنع الثواب كما استعير الشكر لإِعطائه ونفي الجنس للمبالغة. {وَإِنَّا لَهُ} لسعيه. {كاتبون} مثبتون في صحيفة عمله لا يضيع بوجه ما.
{وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ} وممتنع على أهلها غير متصور منهم. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي {وَحِرْمٌ} بكسر الحاء وإسكان الراء وقرئ {حرم}. {أهلَكِناها} حكمنا بإهلاكها أو وجدناها هالكة. {أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} رجوعهم إلى التوبة أو الحياة ولا صلة، أو عدم رجوعهم للجزاء وهو مبتدأ خبره حرام أو فاعل له ساد مسد خبره أو دليل عليه وتقديره: توبتهم أو حياتهم أو عدم بعثهم، أو لأنهم {لاَ يَرْجِعُونَ} ولا ينيبون {وَحَرَامٌ} خبر محذوف أي وحرام عليها ذاك وهو المذكور في الآية المتقدمة ويؤيده القراءة بالكسر. وقيل {حَرَامٌ} عزم وموجب عليهم {أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ}.
{حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ} متعلق بـ {حَرَامٌ} أو بمحذوف دل الكلام عليه، أو بـ: {لاَ يَرْجِعُونَ} أي يستمر الامتناع أو الهلاك أو عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها: وهو فتح سد يأجوج وماجوج وهي حتى التي يحكى الكلام بعدها، والمحكي هي الجملة الشرطية. وقرأ ابن عامر ويعقوب {فُتِّحَتْ} بالتشدد. {وَهُمْ} يعني يأجوج وماجوج أو الناس كلهم. {مِّنْ كُلِّ حَدْبٍ} نشز من الأرض، وقرئ جدث وهو القبر. {يَنسِلُونَ} يسرعون من نسلان الذئب وقرئ بضم السين.
{واقترب الوعد الحق} وهو القيامة. {فَإِذَا هي شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ} جواب الشرط وإذا للمفاجأة تسد مسد الفاء الجزائية كقوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فإذا جاءت الفاء معها تظاهرتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد، والضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار. {يَا وَيْلَنَا} مقدر بالقول واقع موقع الحال من الموصول. {قَدْ كُنَّا في غَفْلَةٍ مّنْ هذا} لم نعلم أنه حق. {بَلْ كُنَّا ظالمين} لأنفسنا بالإِخلال بالنظر وعدم الاعتداد بالنذر.
{إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يحتمل الأوثان وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم في حكم عبدتهم، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما تلا الآية على المشركين قال له ابن الزبعري: قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيرًا والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك» فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} الآية. وعلى هذا يعم الخطاب ويكون {مَا} مؤولًا بـ: {مِنْ} أو بما يعمه، ويدل عليه ما روي أن ابن الزبعري قال: هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله فقال صلى الله عليه وسلم: «بل لكل من عبد من دون الله» ويكون قوله: {إِنَّ الذين} بيانًا للتجوز أو للتخصيص فأخر عن الخطاب. {حَصَبُ جَهَنَّمَ} ما يرمي به إليها وتهيج به من حصبه يحصبه إذا رماه بالحصباء وقرئ بسكون الصاد وصفًا بالمصدر. {أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} استئناف أو بدل من {حَصَبُ جهنم} واللام معوضة من على للاختصاص والدلالة على أن ورودهم لأجلها.
{لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ ءََالِهَةً مَا وَرَدُوهَا} لأن المؤاخذ بالعذاب لا يكون إلهًا. {وَكُلٌّ فِيهَا خالدون} لا خلاص لهم عنها.
{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} أنين وتنفس شديد وهو من إضافة فعل البعض إلى الكل للتغلب إن أريد {مَا تَعْبُدُونَ} الأصنام. {وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ} من الهول وشدة العذاب. وقيل {لاَ يَسْمَعُونَ} ما يسرهم.
{إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى} أي الخصلة الحسنى وهي السعادة أو التوفيق بالطاعة أو البشرى بالجنة. {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} لأنهم يرفعون إلى أعلى عليين. روي أن عليًّا كرم الله وجهه خطب وقرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابن الجراح، ثم أقيمت الصلاة فقام يجر رداءه ويقول:
{لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} وهو بدل من {مُبْعَدُونَ} أو حال من ضميره سيق للمبالغة في إبعادهم عنها، والحسيس صوت يحس به. {وَهُمْ فِيمَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون} دائمون في غاية التنعم وتقديم الظرف للاختصاص والاهتمام به.
{لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} النفخة الأخيرة لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ في الصور فَفَزِعَ مَنْ في السموات وَمَن في الأرض} أو الانصراف إلى النار أو حين يطبق على النار أو يذبح الموت. {وتتلقاهم الملائكة} تستقبلهم مهنئين لهم. {هذا يَوْمُكُم} يوم ثوابكم وهو مقدر بالقول. {الذى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدنيا.
{يَوْمَ نَطْوِى السماء} مقدر باذكر أو ظرف لـ: {لاَ يَحْزُنُهُمُ}، أو {تتلقاهم} أو حال مقدرة من العائد المحذوف من {تُوعَدُونَ}، والمراد بالطي ضد النشر أو المحو من قولك اطو عني هذا الحديث، وذلك لأنها نشرت مظلة لبني آدم فإذا انتقلوا قوضت عنهم، وقرئ بالياء والبناء للمفعول. {كَطَىِّ السجل لِلْكِتَابِ} طيًا كطي الطومار لأجل الكتابة أو لما يكتب أو كتب فيه، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص على الجمع أي للمعاني الكثيرة المكتوبة فيه. وقيل {السجل} ملك يطوي كتب الأعمال إذا رفعت إليه أو كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ {السجل} كالدلو و{السجل} كالعتل وهما لغتان فيه. {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} أي نعيد ما خلقناه مبتدأ إعادة مثل بدئنا إياه في كونهما إيجادًا عن العدم، أو جمعًا بين الأجزاء المتبددة والمقصود بيان صحة الإِعادة بالقياس على الإِبداء لشمول الإِمكان الذاتي المصحح للمقدورية. وتناول القدرة القديمة لهما على السواء، وما كافة أو مصدرية وأول مفعول لـ: {بَدَأْنَا} أو لفعل يفسره {نُّعِيدُهُ} أو موصولة والكاف متعلقة بمحذوف يفسره {نُّعِيدُهُ} أي نعيد مثل الذي بدأنا وأول خلق ظرف لـ: {بَدَأْنَا} أو حال من ضمير الموصول المحذوف. {وَعْدًا} مقدر بفعله تأكيدًا لـ: {نُّعِيدُهُ} أو منتصب به لأنه عدة بالإِعادة. {عَلَيْنَا} أي علينا إنجازه. {إِنَّا كُنَّا فاعلين} ذلك لا محالة.